الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} قيل: يرجع إلى أهل النار.قال ابن عباس: ارتهن أهل جهنم بأعمالهم وصار أهل الجنة إلى نعيمهم؛ ولهذا قال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين} [المدثر: 38- 39].وقيل: هو عام لكل إنسان مُرْتَهن بعمله فلا ينقص أحد من ثواب عمله، فأما الزيادة على ثواب العمل فهي تفضل من الله.ويحتمل أن يكون هذا في الذرّية الذين لم يؤمنوا فلا يلحقون آباءهم المؤمنين بل يكونون مُرْتَهنين بكفرهم.قوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} أي أكثرنا لهم من ذلك زيادة من الله، أمدّهم بها غير الذي كان لهم.قوله تعالى: {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} أي يتناولها بعضهم من بعض وهو المؤمن وزوجاته وخدمه في الجنة.والكأس: إناء الخمر وكل إناء مملوء من شراب وغيره؛ فإذا فرغ لم يسم كأسًا.وشاهد التنازع والكأس في اللغة قول الأخطل:
وقال امرؤ القيس: وقد مضى هذا في (والصافات).{لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} أي في الكأس أي لا يجري بينهم لغو {وَلاَ تَأْثِيمٌ} ولا ما فيه إثم.والتأثيم تفعيل من الإثم؛ أي تلك الكأس لا تجعلهم آثمين لأنه مباح لهم.وقيل: {لاَ لَغْوٌ فِيهَا} أي في الجنة.قال ابن عطاء: أيُّ لغوٍ يكون في مجلس محلّه جنة عدن، وسقاتهم الملائكة، وشربهم على ذكر الله، وريحانهم وتحيتهم من عند الله، والقوم أضياف الله! {وَلاَ تَأْثِيمٌ} أي ولا كذب؛ قاله ابن عباس.الضحاك: يعني لا يكذب بعضهم بعضًا.وقرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو: {لاَ لَغْوَ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمَ} بفتح آخره.الباقون بالرفع والتنوين.وقد مضى هذا في (البقرة) عند قوله تعالى: {وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254] والحمد لله.قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ} أي بالفواكه والتُّحف والطعام والشراب؛ ودليله: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ} [الزخرف: 71]، {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} [الصافات: 45].ثم قيل: هم الأطفال من أولادهم الذين سبقوهم، فأقرّ الله تعالى بهم أعينهم.وقيل: إنهم من أخدمهم الله تعالى إياهم من أولاد غيرهم.وقيل: هم غلمان خلقوا في الجنة.قال الكلبي: لا يكبرون أبدًا {كَأَنَّهُمْ} في الحسن والبياض {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} في الصَّدَف، والمكنون المصون.وقوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} قيل: هم أولاد المشركين وهم خدم أهل الجنة.وليس في الجنة نَصَب ولا حاجة إلى خدمة، ولكنه أخبر بأنهم على نهاية النعيم.وعن عائشة رضي الله عنها: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدمه فيجيبه ألفٌ كلّهم لبّيك لبّيك» وعن عبد الله بن عمر قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام كل غلام على عمل ليس عليه صاحبه» وعن الحسن أنهم قالوا: يا رسول الله إذا كان الخادم كاللؤلؤ فكيف يكون المخدوم؟ فقال: «ما بينهما كما بين القمر ليلة البدر وبين أصغر الكواكب» قال الكسائي: كننت الشيء سترته وصنته من الشمس، وأكننته في نفسي أسررته.وقال أبو زيد: كننته وأكننته بمعنًى في الْكِنّ وفي النفس جميعًا؛ تقول: كننت العلم وأكننته فهو مكنون ومُكَنّ.وكننت الجارية وأكننتها فهي مكنونة ومُكَنَّة. اهـ. .قال الثعالبي: وقوله سبحانه: {إِنَّ المتقين في جنات وَنَعِيمٍ} الآية:يحتمل أَنْ يكونَ من خطاب أهل النار، فيكون إخبارُهم بذلك زيادةً في غَمِّهِمْ وسُوءِ حالهم، نعوذ باللَّه من سخطه! ويحتمل، وهو الأظهر، أَنْ يكون إخبارًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ومعاصريه، لما فَرَغَ من ذكر عذاب الكفار عَقَّبَ بذكر نعيم المتقين جعلنا اللَّه منهم بفضله ليبين الفرقَ، ويقعَ التحريضُ على الإيمان، والمتقون هنا: مُتَّقُو الشرك؛ لأَنَّهم لابد من مصيرهم إلى الجنات، وكلما زادت الدرجة في التقوى قَوِيَ الحصولُ في حكم الآية، حَتَّى إنَّ المتقين على الإطلاق هم في هذه الآية قطعًا على اللَّه تعالى بحكم خبره الصادق، وقرأ جمهور الناس: {فاكهين} ومعناه: فَرِحِينَ مسرورين، وقال أبو عُبَيْدَةَ: هو من باب: (لاَبِنٌ) و(تَامِرٌ)، أي: لهم فاكهة، قال ع: والمعنى الأَوَّلُ أبرع، وقرأ خالد فيما روى أبو حاتم: {فَكِهِينَ} والفَكِهُ والفاكه: المسرور المتنعم.وقوله تعالى: {بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} أي: من إنعامه ورضاه عنهم.وقوله تعالى: {ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} هذا متمكن في مُتَّقِي المعاصي، الذي لا يدخل النارَ {ووقاهم} مشتق من الوقاية، وهي الحائل بين الشيء وبين ما يضرُّه.وقوله: {كُلُواْ واشربوا} أي: يقال لهم: كلوا واشربوا، و{هَنِيئَا} نُصِبَ على المصدر.وقوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} معناه: أَنَّ رُتَبَ الجنة ونعيمها بحسب الأعمال، وأَمَّا نَفْسُ دخولها فهو برحمة اللَّه وفضلِهِ، وأعمالُ العباد الصالحاتُ لا تُوجِبُ على اللَّه تعالى التنعيمَ إيجابًا؛ لكِنَّهُ سبحانه قد جعلها أَمارةً على مَنْ سبق في علمه تنعيمه، وعَلَّقَ الثوابَ والعِقَابَ بالتكسب الذي في الأعمال، والحُورُ: جمع حَوْرَاءُ، وهي البيضاء القويةُ بياضِ بياضِ العَيْنِ وَسَوَادِ سَوَادِها، والعِينُ: جمع عَيْنَاءُ، وهي كبيرة العينين مع جمالهما، وفي قراءة ابن مسعود والنَّخَعِيِّ: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِعِيسٍ عِينٍ} قال أبو الفتح: العَيْسَاءُ: البيضاء.وقوله سبحانه: {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} اخْتُلِفَ في معنى الآية، فقال ابن عباس، وابن جبير، والجمهور: أخبر اللَّه تعالى أَنَّ المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يلحق الأبناء في الجنة بمراتب الآباء، وإنْ لم يكن الأبناء في التقوى والأعمال كالآباء؛ كرامةً للآباء، وقد ورد في هذا المعنى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا الحديثَ تفسيرًا للآية، وكذلك وردت أحاديث تقتضي أَنَّ اللَّه تعالى يرحم الآباء؛ رعيًا للأبناء الصالحين، وقال ابن عباس أيضًا والضَّحَّاكُ. معنى الآية: أَنَّ اللَّه تعالى يلحق الأبناء الصغار بأحكام الآباء المؤمنين، يعني في الموارثة والدفن في مقابر المسلمين، وفي أحكام الآخرة في الجنة، وقال منذر بن سعيد: هي في الصغار لا في الكبار؛ قال ع: وأرجح الأقوال في هذه الآية القول الأَوَّل؛ لأَنَّ الآياتِ كلَّها في صفة إحسان اللَّه تعالى إلى أهل الجنة، فذكر من جملة إحسانِهِ سبحانه أَنَّه يرْعَى المحسنَ في المسيء، ولفظة {أَلْحَقْنَا} تقتضي أَنَّ لِلْمُلْحَقِ بعضَ التقصير في الأعمال.ت: وأظهرُ مَنْ هذا ما أشار إليه الثعلبيُّ في بعض أنقاله: أَنَّ اللَّه تعالى يجمع لعبده المؤمن ذُرِّيَّتَهُ في الجنة، كما كانوا في الدنيا، انتهى، ولم يتعرَّضْ لذكر الدرجات في هذا التأويل، وهو أحسن؛ لأَنَّهُ قد تقرَّرَ أَنَّ رفع الدرجات هي بأعمال العاملين، والآياتُ والأحاديث مُصَرِّحَةٌ بذلك، ولما يلزم على التأويل الأَوَّلِ أَنْ يكونَ كُلُّ مَنْ دخل الجنةَ مع آدم عليه السلام في درجةٍ واحدة؛ إذ هم كُلُّهم ذرِّيَّتُهُ، وقد فتحتُ لك بابًا للبحث في هذا المعنى منعني من إتمامه ما قصدته من الاختصار، وباللَّه التوفيق.وقوله: {وَمَا ألتناهم} أي: نقصناهم، ومعنى الآية أَنَّ اللَّه سبحانه يُلْحِقُ الأبناء بالآباء، ولا يُنْقِصُ الآباء من أجورهم شيئًا، وهذا تأويل الجمهور، ويحتمل أَنْ يريدَ: مِنْ عمل الأَبناء من شيء من حسن أو قبيح، وهذا تأويل ابن زيد، ويُؤيِّدُهُ قوله سبحانه: {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} والرهين: المُرْتَهِنُ، وفي هذه الألفاظ وعيد، وأمددتُ الشيءَ: إذا سرّبْتُ إليه شيئًا آخر يكثره أو يكثر لديه.وقوله: {مِّمَّا يَشْتَهُونَ} إشارة إلى ما رُوِيَ من أَنَّ المُنَعَّمَ إذا اشتهى لحمًا نزل ذلك الحيوان بين يديه على الهيئة التي اشتهاه فيها، وليس يكون في الجنة لحم يحتز، ولا يُتَكَلَّفُ فيه الذبح، والسلخ، والطبخ، وبالجملة لا كَلَفَةَ في الجنة، و{يتنازعون} معناه: يتعاطون؛ ومنه قول الأخطل: البسيط:قال الفخر: ويحتمل أنْ يقال: التنازع: التجاذُبُ، وحينئذ يكون تجاذُبُهُمْ تجاذبَ مُلاَعَبَةٍ، لا تجاذب منازعة، وفيه نوعُ لَذَّةٍ، وهو بيان لما عليه حال الشُرَّابِ في الدنيا؛ فإنَّهم يتفاخرون بكثرة الشرب، ولا يتفاخرون بكثرة الأكل، انتهى، والكأس: الإِناء فيه الشراب، ولا يقال في فارغ كأس؛ قاله الزَّجَّاج، واللغو: السَّقَطُ من القول، والتأثيم: يلحق خَمْرَ الدنيا في نفس شُرْبِهَا وفي الأفعال التي تكون من شاربيها، وذلك كُلُّه مُنْتَفٍ في الآخرة.ت: قال الثعلبيُّ: وقال ابن عطاء: أيُّ لغوٍ يكون في مجلس: مَحَلُّهُ جَنَّةُ عدن، والساقي فيه الملائكة، وشربُهم على ذكر اللَّه، ورَيحانُهم تحيَّةٌ من عند اللَّه، والقومُ أضياف اللَّه.{وَلاَ تَأْثِيمٌ} أي: فعل يُؤْثِمُهُمْ، وهو تفعيل من الإثم، أي: لا يأثمونَ في شربها، انتهى واللؤلؤ المكنون أجملُ اللؤلؤ؛ لأَنَّ الصون والكَنُّ يُحَسِّنُهُ، قال ابن جبير: أراد الذي في الصّدَفِ لم تنله الأيدي، وقيل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا كَانَ الْغِلْمَانُ كَاللُّؤْلُؤ المَكْنُونِ فَكَيْفَ المَخْدُومُونَ؟ قال: هُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ».ت: وهذا تقريب للأفهام، وإلاَّ فجمال أهلِ الجَنَّةِ أَعْظَمُ من هذا، يَدُلُّ على ذلك أحاديث صحيحة؛ ففي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ- وفي رِوَايَةٍ: مِنْ أُمَّتِي- عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ على أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السَّمَاءِ إضَاءَةً»، وفي رواية: «ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ» الحديثَ، وفي (صحيح مسلم) أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ في الجَنَّةَ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمْعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو في وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، وَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقول لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: واللَّهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا! فَيَقولونَ: وَأَنْتُمْ واللَّهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا». انتهى، وقد أشار الغَزَّاليُّ وغيره إلى طَرَفٍ من هذا المعنى، لَمَّا تكلَّم على رؤية العارفين للَّه سبحانه في الآخرة، قال بعد كلام: ولا يَبْعُدُ أَنْ تكونَ ألطاف الكشف والنظر في الآخرة متواليةً إلى غير نهاية، فلا يزالُ النعيمُ واللَّذَّةُ متزايدًا أبَدَ الآبادِ، وللشيخ أبي الحسن الشاذلي هنا كلام حسن قال: لو كُشِفَ عن نور المؤمن لعبد من دون اللَّه، ولو كُشِفَ عن نور المؤمن العاصي لطبق السماء والأرض، فكيف بنور المؤمن المطيع؟! نقل كلامه هذا ابن عطاء اللَّه وابن عَبَّاد، انظره. اهـ. .قال الألوسي: {إِنَّ المتقين في جنات وَنَعِيمٍ}.شروع في ذكر حال المؤمنين بعد ذكر حال الكافرين كما هو عادة القرآن الجليل في (الترهيب والترغيب)، وجوز أن يكون من جملة المقول للكفار إذ ذاك زيادة في غمهم وتنكيدهم والأول أظهر، والتنوين في الموضعين للتعظيم أي في جنات عظيمة ونعيم عظيم، وجوز أن يكون للنوعية أي نوع من الجنات، ونوع من النعيم مخصوصين بهم وكونه عوضًا عن المضاف إليه أي جناتهم ونعيمهم ليس بالقوى كما لا يخفى.{فاكهين} متلذذين {بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} من الإحسان، وقرئ {فكهين} بلا ألف، ونصبه في القراءتين على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور أعني {في جنات} [الطور: 17] الواقع خبرًا لأن، وقرأ خالد فاكهون بالرفع على أنه الخبر، وفي جنات متعلق به لكنه قدم عليه للاهتمام، ومن أجاز تعدد الخبر أجاز أن يكون خبرًا بعد خبر {ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} عطف على {فِي جنات} [الطور: 17] على تقدير كونه خبرًا كأنه قيل: استقروا {فِي جنات} {ووقاهم رَبُّهُمْ} الخ، أو على {ءاتاهم} إن جعلت {مَا} مصدرية أي فاكهين بإيتائهم ربهم ووقايتهم عذاب الجحيم، ولم يجوز كثير عطفه عليه إن جعلت موصولة إذ يكون التقدير فاكهين بالذي وقاهم ربهم فلا يكون راجع إلى الموصول، وجوزه بعض بتقدير الراجع أي وقاهم به على أن الباء للملابسة، وفي (الكشف) لم يحمل على حذف الراجع لكثرة الحذف ولو درج لصًا، والفعل من المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل وهو مسموع عند بعضهم، ولا يخفى أنه وجه سديد أيضًا، والمعنى عليه أسد لأن الفكاهة تلذذ يشتغل به صاحبه والتلذذ بالايتاء يحتمل التجدد باعتبار تعدد المؤتى إما بالوقاية أي على تقدير المصدرية فلا، وأقول لعله هو المنساق إلى الذهن، وجوز أن يكون حالًا بتقدير قد أو بدونه إما من المستكن في الخبر أو في الحال. وإما من فاعل آتى. أو من مفعوله. أو منهما، وإظهار الرب في موقع الإضمار مضافًا إلى ضميرهم للتشريف والتعليل.وقرأ أبو حيوة {وقاهم} بتشديد القاف.{كُلُواْ واشربوا هَنِيئًَا} أي يقال لهم {كُلُواْ واشربوا} أكلا وشربا هنيئًا، أو طعامًا وشرابًا هنيئًا، فالكلام بتقدير القول، و{هَنِيئًَا} نصب على المصدرية لأنه صفة مصدر.أو على أنه مفعول به، وأيًا مّا كان فقد تنازعه الفعلان، والهنيء كل ما لا يلحق فيه مشقة ولا يعقب وخامة {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي بسببه أو بمقابلته والباء عليهما متعلق بكلوا واشربوا على التنازع، وجوز الزمخشري كونها زائدة وما بعدها فاعل هنيئًا كما في قول كثير:فإن ما فيه فاعل هنيئًا على أنه صفة في الأصل بمعنى المصدر المحذوف فعله وجوبًا لكثرة الاستعمال كأنه قيل: هنؤ لعزة المستحل من أعراضنا، وحينئذ كما يجوز أن يجعل ما هنا فاعلًا على زيادة الباء على معنى هنأكم ما كنتم تعملون يجوز أن يجعل الفاعل مضمرًا راجعًا إلى الأكل أو الشرب المدلول عليه بفعله، وفيه أن الزيادة في الفاعل لم تثبت سماعًا في السعة في غير فاعل {كفى} [النساء: 6] على خلاف ولا هي قياسية في مثل هذا ومع ذلك يحتاج الكلام إلى تقدير مضاف أي جزاء ما كنتم الخ، وفيه نوع تكلف.{مُتَّكِئِينَ} نصب على الحال قال أبو البقاء: من الضمير في {كُلُواْ} [الطور: 19] أو في {وقاهم} [الطور: 18] أو في {مَا ءاتاهم} أو في {فاكهين} أو في الظرف يعني {في جنات} [الطور: 17]، واستظهر أبو حيان الأخير {على سُرُرٍ} جمع سرير معروف، ويجمع على أسرّة وهو من السرور إذ كان لأولى النعمة، وتسمية سرير الميت به للتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى جوار الله تعالى وخلاصه من سجن الدنيا، وقرأ أبو السمال {سرر} بفتح الراء وهي لغة لكلب في المضعف فرارًا من توالي ضمتين مع التضعيف.{مَصْفُوفَةٌ} مجعولة على صف وخط مستو {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} أي قرناهم بهن قاله الراغب ثم قال: ولم يجىء في القرآن زوجناهم حورًا كما يقال زوجته امرأة تنبيهًا على أن ذلك لا يكون على حسن المتعارف فيما بيننا من المناكحة، وقال الفراء: تزوجت بامرأة لغة أزد شنوءة، والمشهور أن التزوج متعد إلى مفعول واحد بنفسه والتزويج متعد بنفسه إلى مفعولين، وقيل: فيما هنا أن الباء لتضمين الفعل معنى القرآن أو الإلصاق، واعترض بأنه يقتضي معنى التزويج بالعقد وهو لا يناسب المقام إذ العقد لا يكون في الجنة لأنها ليست دار تكليف أو أنها للسببية والتزويج ليس بمعنى الانكاح بل بمعنى تصييرهم زوجين زوجين أي صيرناهم كذلك بسبب حور عين، وقرأ عكرمة {بحور عين} على إضافة الموصوف إلى صفته بالتأويل المشهور، وقوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ} الخ كلام مستأنف مسوق لبيان حال طائفة من أهل الجنة إثر بيان حال الكل وهم الذي شاركتهم ذريتهم في الايمان، والموصول مبتدأ خبره ألحقنا بهم، وقوله تعالى: {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} عطف على آمنوا، وقيل اعتراض للتعليل، وقوله تعالى: {بإيمان} متعلق بالاتباع أي أتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجملة قاصر عن رتبة إيمان الآباء إما بنفسه بناءًا على تفاوت مراتب نفس الايمان، وإما باعتبار عدم انضمام أعمال مثل أعمال الآباء إليه، واعتبار هذا القيد للإيذان بثبوت الحكم في الايمان الكامل أصالة لا إلحاقًا قيل: هو حال من الذرية، وقيل: من الضمير وتنوينه للتعظيم، وقيل: منهما وتنوينه للتنكير والمعول عليه ما قدمنا {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} في الدرجة.
|